علاء المفرجي
في كتاب (سؤال الجسد) الصادر حديثا والذي كتب مقدمته محمود عواد، وهو عن موقع الجسد في الخارطة الإبداعية للفنان عبد الكريم سعدون..
يقول المقدم: يذكرني (سؤال الجسد) بمؤلف (غودار يكتب عن غودار) المتن الحواري السيري الذي استطاع فيه مخرج الموجة الجديدة، تقشير بصلة غونتغراس) بتفطن الحجار، فكان يستل من الجواب سؤاله ليجعل النهايات مفتوحة لبداية غير متوقعة وكأنه في نزال طيفي، تأخذ فيه الحاس موقع الفارس دائما لكن بمراوغة.
ويضيف أن جسد كريم سعدون هو نص لعبي يفلت من الإجابة بسؤال يسعى من خلاله ترسيم تحركه السري، وكأنه في مهمة ليلية يروم من ورائها كتابة سييرةذاتية للسان الليلي، ولعله يحظى (بالكلمة الصورة) التي هي شيفرة الابداع الابدي، ولم تُنطق من دون توافر لسان كريستالي.
وفي سؤال لمحرر في في صحيفة عراقية: قال فيه لكريم سعدون: في اعمالك حضور ملتبس للجسد، حيث اختزاله وتسطيحه أحيانا.. أجاب الفنان كريم سعدون:
هناك دأب من الانظمة الشمولية لتنميط الجسد فهي تمتلك ايدلوجيتها شأنها شأن الدين والمجتمع وتجتهد في تحديد ملامح الانسان الذي تريده، طيعا ومنساقا وتشتغل على تنميط وجوده وتعمل على حصاره في زوايا ترغب بها، انها تصمم له هوية ترسم ملامح حياته عبر منظومة من القوانين والاجراءت التي تتدخل في جزئيات حياتية هامشية حتى، فقط من اجل صورته المطلوبة والحروب التي تخوضها مثل تلك الانظمة تعطي صورة مثال حي بحيث يصبح بها الموت هدفا مرغوبا والجسد حقلاً لالاعيبه. نحن كما تعرف تعرضنا الى تجارب عديدة لازالت مستمرة في هذا المجال واصبح جسدنا عبارة عن طرس كل من يتعاقب مع الاخر، يكتب عليه ما يريده ويفرض عليه هيمنته، وللتمكن من الحفاظ على ما أفكر به، وأريد التوصل اليه وبما ان الفن يحتمل التورية كأداة فاقتربت اكثر منها ومما توفره من الحرية في تقرير شكل العمل وانتشار مكوناته ولكن وفي الكثير من الاحيان يظهر عندي الميل الى العمل بوعي تام للوصول الى ما اريده والتمتع في نفس الوقت بحرية حركة الادوات وما تفرضه من عفوية تمكنني من التمرير لذلك فأنا حرصت دوما على ابتكار جسد متحرر من سطوة النمط أي جسدا منتشٍ بحضوره ومحتفٍ بتحرره من كونه جسدا منمطاً، ففي أعمالي تجده في كيفيات متغيرة ويحضر بكل ما يشير اليه كوجود مستقل ومكتف ومكتنز بطاقة على البث ويصبح هو المهيمن الذي يوجه التلقي. ان التجريب المستمر افادني كثيرا في ذلك فهو امدني بالقدرة على التركيب والتحقق منه عبر ازاحات تتم هنا بالحذف والتشييد اي ان بناء طبقات العمل تتيح لي الاقتصاد بموجوداته وهذا يحقق لي ايضا اجراءات الاختزال فيه لتعميق ما اريده من انفتاح التأويل، فالجسد الذي يحضر في اعمالي لا يشبه جسد الواقع الا في بعض ملامحه للحفاظ على كونه باثاً، هو علامة مستقلة متخففة من اثقال وجود الجسد في الواقع ومترفعاً عن آثار التنميط، جسد له وجود رافض لكل ما تعرضنا له من قسوة، ورغم ان التنميط يخلف ندوبا عليه لا يمكن للتسامح ان يخفيها الا ان حضوره يكون مثيرا لتساؤلات كثيرة ومحرضا على التفكّر بأجوبتها، وهذا ما اريده من وجوده في اعمالي. وقد ذكرت في مناسبة سابقة بأن لدي شعور بأن الكثير من أعمالي تشتغل حتى في حالة إزاحة الجسد منها ولكنه يلقي بظلاله ويصر على الظهور فاعلاً أولاً، طالما أن هناك من أتحسس فيه يومياً فعل المراقبة والنظر الموارب، ليستحيل وجوده شاهداً. لذلك أرى الطراسة هي في الحقيقة توصيف فعال لما أعمله، لأن العمل على موضوعة تعيش معي وأمر بها في كل يوم من أيامي هنا تستدعي حتى باللاوعي تشكلاً لحضور حيوات متعددة، حيوات الحروب والقسوة والألم والحزن الخفي والانكسارات والإحباطات، فجيلي هو نتاج عمليات تنميط لم ينجو منها حتى وهو في غربته.