ولعبت (المدى) دورا رياديا في رصدها للعديد من الملفات، وتمكنت من ترك بصمة واضحة لدى الكثير من النخب السياسية والثقافية كما وضعت نفسها في مقدمة الصحف المحلية.
واثبتت الايام مصداقية نهج (المدى) في الوقت الذي تساقطت فيه عشرات الصحف لانحرافها عن المسار الصحيح لحرية الصحافة ورسالتها النبيلة كما سقطت واجهات صحفية كانت عريقة وانحرفت واصبحت من مخالب السلطات والمليشيات تتستر على الانتهاكات وتنافس اللصوص والمختلسين حصصهم في نهب المال العام.
صمدت (المدى) بوجه كل محاولات اسكات صوتها الحر، وواجهت جميع الأوقات العصيبة بروح المحارب الواثق من قضيته، المدرك للطريق نحو هدفه، فلا يحيد عنه، ولا يستسلم او يتراجع.
لذلك لم يكن لـ(المدى) إلا ان تكون صوت الناس وقت يحتجون، وعيونا لهم حينما يراد التغطية على ملفات حساسة والتستر على قضايا هامة، ولسانا ناطقا باسم الأغلبية التي تشاهد البلد الأهم في تاريخ الحضارات، وقد صار مرتعا للفاسدين والفاشلين وخدم الاجندات الأجنبية الخبيثة. تصدر يومياً وفي صفحاتها الورقية والالكترونية، موضوعات “تكشف” و”تنتقد” و”تبصر” و”تناقش”، بدءا من مقالات رئيس تحريرها الأستاذ فخري كريم، ذات اللغة الرفيعة والنبرة الحادة، إزاء كل ما هو “سيئ وقبيح” في اوضاعنا، فضلا عن التقارير الخبرية ومقالات الرأي المتنوعة.
بل ابعد من ذلك، كانت (المدى) في العديد من المرات محتجة ومحرضة على الاحتجاج بمعناه الديمقراطي السلمي، ابتداء من حملتها الأشهر “بغداد لن تكون قندهار” وصولا إلى ملحقها الأبرز “الاحتجاج”.
بغداد لن تكون قندهار
في مطلع العام ٢٠١١، وخلال الولاية الثانية لحكومة حزب الدعوة والائتلاف الشيعي، بقيادة نوري المالكي، بدأت بوادر التضييق الممنهج على الحريات تلوح في الأفق.
فقد أعلنت ثلاث حكومات محلية “بابل، البصرة، بغداد” الحرب على الحريات المدنية، في محاولة منهم لتحويل تلك المحافظات إلى مدن دينية بحتة.
أعلنت (المدى) في حينها تصديها لتلك القرارات الرجعية، المخالفة في جوهرها للدستور العراقي، فأعلنت عبر جريدتها اليومية إطلاق حملة مدافعة رفعت شعار “بغداد لن تكون قندهار”.
وقندهار واحدة من أكبر مدن أفغانستان، التي سيطرت عليها حركة طالبان المتطرفة، وفرضت فيها اعرافاً متشددة على اهل المدينة طيلة سنوات.
وفور اعلان (المدى) للحملة، تلقف مئات الشباب عبر منصة التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، شعار “بغداد لن تكون قندهار”، حيث نشروه في منصاتهم وانشأوا مجموعة “كروب” كبيرة تجمعهم لتنسيق مواقفهم، وللتعبير عن رفضهم لسياسة القمع التي ترتكبها الحكومة المحلية في بغداد، معربين عن إعجابهم بما تقوم به (المدى) من اجل حماية الحقوق المدنية. كان ذلك بدايات شهر شباط عام 2011، تحولت فيه الحملة من مجرد مقالات في الجريدة وكتابات على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى وقفات في الساحات العامة نظمها الشباب حاملين لافتات تتضمن شعار الحملة، ومطلقين هتافات تعبر عن رفضهم التطرف والتشدد. ولم تنته الأمور عند ذلك الحد! لقد كانت حملة (المدى) الشرارة التي انطلقت منها تظاهرات ٢٥ شباط ٢٠١١، والتي رفعت شعار اصلاح النظام وحذرت من المحاصصة والفساد، وأسست لوعي احتجاجي شعبي واسع، ما نزال نعيشه حتى يومنا هذا.
ظل شعار “بغداد لن تكون قندهار” يرفع بين الحين والآخر، مع كل هجمة تتعرض لها الحريات المدنية والثقافية، لما له من أثر في نفوس النخب الثقافية والاجتماعية والسياسية. فقد نظم الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق وقفة احتجاجية، في العام ٢٠١٨، حملت شعار “بغداد لن تكون قندهار” طالب المشاركون فيها رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بإسناد وزارة الثقافة الى وزير من الوسط الثقافي، وعدم وضعها في خانة الطائفية.
بل واستخدم الشعار الفنان سعد المجرد في رده على الغاء حفل له كان مقررا اقامته في بغداد عام ٢٠٢٢، والغي بعد تطويق مكان من قبل مسلحين لاحدى الجماعات المتطرفة.
إلى ملحق “الاحتجاج”
واكبت (المدى) الحراك الاحتجاجي الذي أطلقه ناشطون على مر السنوات الـ20 الماضية. وكانت الصحيفة والموقع الالكتروني، بحق، منبراً لجميع المحتجين. فقد أظهرت (المدى) اهتماما بالاحتجاجات التي شهدها العراق في العام 2013 والمطالبة بتحقيق العدالة في توزيع ثروات البلاد، وتخفيض رواتب وامتيازات المسؤولين.
ثم الاحتجاجات التي انطلقت في العام 2015 التي امتدت لأكثر من عام، مطالبة بإصلاح مؤسسات الدولة واتخاذ قرارات تحد من الفساد والمظاهر المسلحة.
وأخيراً، في انتفاضة تشرين التي اندلعت في العام 2019، كان لـ(المدى) حضور واضح ومؤثر في ساحات الاحتجاج وبين خيم الاعتصامات. لقد غطت (المدى) جميع الاحتجاجات وحالات القمع التي حصلت في الأيام السبع الأولى من شهر تشرين الأول 2019، ومع انطلاقة الاعتصامات في 25 تشرين الأول 2019، بادرت المؤسسة إلى اصدار ملحق “الاحتجاج” الذي كان يغطي جميع اخبار الساحات وينقل آراء المحتجين وافكارهم وتطلعاتهم ومطالبهم. ففي وقت الذي شهد فيه العراق، تضييقاً كبيراً على المؤسسات الصحفية، بغرض منعها من نقل الوقائع الدموية التي شهدتها الساحات، أصدرت (المدى) في صبيحة يوم 3/11/2019 العدد الأول من صحيفة “الاحتجاج” بنسختها الورقية، لتكون بين المتظاهرين يوميا، ليس في بغداد وحسب، بل في جميع المحافظات التي شهدتها الانتفاضة.
كانت “الاحتجاج” تحرر وتطبع في مقر (المدى)، وكانت توزع في الساحات من قبل المحتجين، ولاقت الصحيفة اهتماما كبيرا من المثقفين والكتاب والمحتجين، الذين ما انفكوا يرسلون المواد اليومية إليها من اجل نشرها.
صدر عن صحيفة “الاحتجاج” 125 عدداً واستمرت بالصدور لأكثر من 4 أشهر، واجهت المؤسسة بسببها حملات التضييق الممنهج الذي مارسته السلطة وقواها السياسية التي وقفت بالضد من الانتفاضة. ورغم صعوبات نقل “الاحتجاج” من بغداد إلى بقية المحافظات، الا ان (المدى) حرصت بأساليب مختلفة على نقل الصحيفة إلى مختلف المحافظات، وكان حماس المحتجين لها، يساعد المؤسسة في تلك المهمة التي لم تكن تخلو من مخاطرة في وقت يشتد فيه القمع الذي اودى بحياة أكثر من 600 شهيد وأكثر من 25 ألف جريح.
وبعيداً عن الجانب الصحفي، قدمت مؤسسة المدى العديد من المساعدات للمحتجين خاصة أولئك الجرحى منهم، كذلك قامت بفتح فرع لمكتبتها وسط ساحة التحرير في بغداد، وقدمت هديتها للمحتجين في عيد رأس السنة، شجرة الميلاد، ولكن بأعلام عراقية.