وتنفي مصادر في مناطق سقوط الابراج، وجود نشاط لـ”داعش” هناك، لكن اختيار الهجوم في مدن كانت حتى وقت قريب معقلا للتنظيم يضع علامات استفهام.
وفي العادة تقوم السلطات بحماية ابراج الطاقة لكن وجود بعضها (الابراج) في مناطق نائية قد يجبر الاولى على عقد صفقات مع عشائر ومزارعين.
وتستثمر بعض العشائر وجود الابراج في مناطقها للحصول على تعويضات وصلت في احدى المرات الى نحو 50 مليار دينار، اضافة الى تعيينات!
وامس اعلنت خلية الإعلام الأمني العثور على 16 عبوة ناسفة معدة لاستهداف ابراج الطاقة في صلاح الدين بعد يومين من اسقاط 3 ابراج في المكان نفسه.
وذكرت الخلية في بيان انه تمكنت: “قوة من اللواء 95 الفرقة 21 ضمن قيادة عمليات صلاح الدين، وجهد هندسي من صيانة الكهرباء، من العثور على 16 عبوة ناسفة غربي ناحية الصينية في منطقة السكريات التابعة لقضاء بيجي، اذ تم التعامل معها اصولياً”. ووصفت الخلية المهاجمين بـ”العناصر الإرهابية المنهزمة والخارجين عن القانون”، واضافت ان “القطعات الامنية عززت تواجدها في المكان، فيما نفذت عمليات استباقية ضمن قاطع المسؤولية”.
ولفتت الى ان “قواتنا الأمنية مستمرة في أداء الواجب والمهام الموكلة إليها بالشكل المطلوب وتوفير أقصى درجات الحماية لأبراج الطاقة الكهربائية”.
كلفة اختيار الهدف
مصادر مطلعة قدرت في حديث لـ(المدى) تكلفة الابراج التي تعرضت للهجوم يوم السبت الماضي بنحو “75 مليون دينار، بمعدل 25 مليون دينار لكل برج في حال اصلاحه”، فيما الانباء تتحدث عن اضرار جسيمة. وسقطت الابراج في المناطق الحدودية بين صلاح الدين والانبار، وتم ذلك باستخدام “عبوات ناسفة”، بحسب شهود عيان.
ويستبعد مسؤول محلي في صلاح الدين بحديث لـ(المدى) وقوف “داعش” وراء الهجوم بسبب “اختفاء نشاط التنظيم في تلك المناطق منذ اكثر من عام”.
وعن سبب اختيار الهدف في مناطق كانت تحت سيطرة التنظيم (شمال تكريت)، يقول المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه: “العشائر هنا منزوعة السلاح، والمكان هش امنيا حتى تختلط فيه الاوارق والاجندات”.
ويتوقع المسؤول وهو يستعد الان لخوض الانتخابات المحلية: أن “الاستهداف سياسي، نزاع بين الاحزاب ولاحراج الحكومة”. وكان القضاء قد اصدر نهاية العام الماضي، حكما بالسجن المؤبد بحق مدان بتفجير أبراج نقل الطاقة الكهربائية.
وقال مجلس القضاء في بيان حينها إن “محكمة جنايات ديالى أصدرت حكما بالسجن المؤبد بحق مجرم عن جريمة تفجير أبراج نقل الطاقة الكهربائية في ناحية السلام بقرية الوندية”.
وقبل عامين كان قد وصل عدد الابراج التي سقطت في الفترة الممتدة بين مطلع 2020 الى منتصف 2021، اكثر من 70 برجا للطاقة بهجمات مسلحة.
وقدرت وقتها الخسائر بنحو 2 مليار دينار. ونفذ مجهولون في ذلك الوقت نحو 15 هجوما في 5 محافظات، فيما كان هدر الطاقة قد وصل الى اكثـر من 6 آلاف ميغاواط. وكشف رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي في حينها، عن إلقاء القبض على عدد من المتهمين بتفجير أبراج نقل الطاقة الكهربائية.
وقال الكاظمي خلال الجلسة الأسبوعية لحكومته، إن “هناك محاولات تخريبية لتفجير أبراج نقل الطاقة الكهربائية، وتمكنا من إلقاء القبض على عدد منهم”، مشيرا إلى أن “هذا الأمر لن يتم التساهل معه باعتباره يمس الأمن الوطني العراقي”.
صفقة مع العشائر
يقول المسؤول المحلي في صلاح الدين: “لايمكن ان تضع الحكومة شرطي او عسكري على كل برج، كما ان الاتفاق مع العشائر في العادة لا ينجح بسبب فقدان الثقة بين الطرفين”.
وفي حادثة سابقة تتعلق بحماية ونصب الابراج، حصل مسؤول كبير في الدولة على تعويضات وصلت الى نحو 50 مليار دينار، بسبب مرور ابراج الطاقة في أراضي يسيطر عليها هو واقاربه في احد اطراف بغداد. وبحسب تسريبات وصلت لـ(المدى) آنذاك ان قيمة مجموع الأراضي التي مرت فيها الأبراج لا تزيد عن “المليار دينار” في احسن الاحوال.
وتملك عشيرة المسؤول (الذي تحفظت المصادر عن ذكر اسمه) نفوذا كبيرا في الدولة، كما ان بعضهم لديه ارتباطات واسعة مع فصائل مسلحة.
وبدأت لعبة “ابتزاز الحكومة” بسبب مشاريع الطاقة بالتزايد، حيث تؤكد المصادر المطلعة ان “اغلب الابراج التي تقع في مناطق نائية او تمر على أراضي زراعية تتعرض للمساومة”. ويطلب بعض السكان الحصول على “تعيينات لافراد اسرته” مقابل حماية البرج رغم وجود البرج في مناطق تابعة للدولة!
كما ان تعويضات الاراضي الزراعية الصرفة (طابو) التي تنصب فيها ابراج تصل الى 250 مليون دينار على البرج الواحد، بينما التعويضات تكون اقل في اراضي العقود. واحيانا تضطر وزارة الكهرباء الى حرف مسار نصب الابراج لكي تتجنب الدخول في الأراضي الزراعية الصرفة الى المؤجرة بعقود لتقليل حجم التعويضات.
ومن المفترض ان العقود الزراعية هي أراضي تابعة للدولة تمنح للاشخاص لغرض الزراعة وليس الاستملاك.
وفي وقت سابق اكد محافظ الأنبار علي فرحان الدليمي، وجود اتفاق أمني مع العشائر لحماية أبراج الطاقة الكهربائية.
وكانت عمليات تخريبية متعددة جرت في غربي الانبار استهدفت ابراج نقل الطاقة، يعتقد ان وراءها “داعش” او تنافس بين بعض العشائر للحصول على امتيازات.
حريق البصرة
وجاءت اعمال التخريب الاخيرة في ابراج صلاح الدين عقب ساعات من احتراق مفاجئ لمحطة تحويل في البصرة.
شكل البرلمان لجنتين للتحقيق بالحادث، ومازالت النتائج لم تعلن حتى الان، لكن تسريبات تفيد باحتمال ان “الحريق كان متعمداً”. واكدت الوزارة في بيان يوم السبت الماضي، أن المنظومة الكهربائية تعرضت في الساعة (الثانية عشرة ظهراً واربعين دقيقة) لإنطفاء تام، بسبب حصول حادث حريق بمحطة البكر التحويلية الثانوية في محافظة البصرة.
وقال البيان ان الحادث: “أدى إلى إنفصال الخطوط الناقلة كارتباطات المنطقة الجنوبية بالمنطقة الوسطى، وبالتالي صعود ترددات المنظومة وإنفصال الوحدات التوليدية بمحطات الإنتاج”.
ومؤخرا استطاع العراق الحصول على استثناء من واشنطن لمدة 4 اشهر لدفع اجور الغاز والطاقة المستوردة من ايران، بحسب تصريحات لمسؤولين امريكيين.
كما كان العراق قد أبرم اتفاقية مقايضة النفط مقابل الحصول على الغاز الإيراني المستخدم بتشغيل محطات الكهرباء.
وعن هوية المنفذين للهجمات على منظومة الكهرباء، يرجح غالب محمد وهو عضو سابق بلجنة الطاقة في البرلمان: “وجود شبهات سياسية بسبب تزامن اكثر من حادث”. ويقول محمد في حديث لـ(المدى): “هذه الابراج والمحطات خدمية من يقوم بتخريبها فهو يريد إحراج الحكومة في وقت حساس”. ويستغرب النائب السابق توقيت الهجمات المتقارب وفي ذروة حاجة العراقيين للطاقة، متابعا: “هذه رسالة للجمهور يراد من ورائها اظهار الحكومة عاجزة عن حماية المؤسسات الحيوية”.
وينتقد النائب السابق بالمقابل السلطات الأمنية: “هناك اكثر من مليون عسكري وشرطي، يجب ان تتخذ السلطات إجراءات استباقية قبل موسم الصيف”.