بعلبك (لبنان) (أ ف ب) – شكّل دوران الدراويش على أنغام الأناشيد الصوفية وسط الأعمدة الأثرية لقلعة بعلبك مساء الأحد، واحتفاء الموشحات والقدود بالحب والشجن، مشهد الليلة الثانية من مهرجانات بعلبك الدولية العريقة التي تحفل ببرنامج متنوع حتى 16 تموز/يوليو الجاري.
وعلى أدراج معبد باخوس في القلعة الواقعة شرق لبنان، توزعت حفلة فرقة الكندي الآتية من مدينة حلب السورية إلى قسمين: الأول خُصِص لموشحات غناها السوري عمر سرميني، والثاني لأناشيد صوفية أداها رئيس المنشدين في الجامع الأموي في دمشق حامد داود ورافقه خلالها ثلاثة دراويش.
وقال المدير الفني للفرقة عازف الإيقاع المصري عادل شمس الدين لوكالة فرانس برس إن “25 في المئة من البرنامج جديد لم يسبق” للفرقة التي أسسها قبل 40 عاماً عازف القانون الفرنسي جوليان جلال الدين فايس، أن قدّمته في أي مكان آخر.
وأنشد سرميني على أنغام الناي والدف والقانون والعود والرقّ، موشحات وقدوداً حلبية تعبّر عن الحب والشجن، طعّمها بأغنية “يا قلبي لا تتعب قلبك” التي تتغنى بـ”مدينة الشمس”، كتحية الى فيروز وتاريخ مهرجان بعلبك.
كما قدّم سرميني موشح ”يا بهجة الروح” من ألحان سيد درويش. وأطرب الحاضرين بانشاده قصيدة “جاء الحبيب الذي أهواه في سفر” للشاعر السوري بطرس بن إبراهيم كرامة.
وصفّق الجمهور بحرارة لبيت من موشّح ”قالوا تسلّى عن المحبوب” جاء فيه: “فشارب الخمر يصحو بعد سكرته وشارب الحب طول العمر سكران”. وردّد الجمهور مع سرميني كلمات “مالك يا حلوة مالك” التي عُرفت بصوت الفنان الحلبي الراحل صباح فخري.
وختم سرميني وصلته بـ”يامال الشام”، غناها وقوفاً ومتمايلاً ومبدلاً كلمة الشام بلبنان وبعلبك ومدينته حلب.
دراويش وأناشيد
وخيّمت على القسم الثاني من الحفلة الأجواء الروحانية من خلال الأدعية وأناشيد التسبيح والابتهال التي أشاعت مناخات صوفية ما لبثت أن جسّدتها أيضاً رقصة الدراويش.
واستهل المنشد حامد داود وصلته بالآذان المتّبع في جامع بني أميّة الكبير في دمشق.
وتزامناً مع ترداد “لا إله الا الله”، انضمّ إلى المسرح ثلاثة دراويش تناوبوا في ثنائيات وثلاثيات على الدوران التأملي حول أنفسهم باثوابهم البيض وأيديهم المرفوعة بأكفّ مفتوحة نحو السماء.
وأنشد داود المدائح النبوية الدينية، من بينها ”بحمدك يا إلهي بدأت قولي”، و”صلاتنا على النبي الهاشمي”، و”يا إله الكون يا سندي”. وتضمنت الوصلة عزفاً انفرادياً على الناي والعود والقانون، فالعزف على الناي “يناجي الروح” بحسب داود.
وفي توشيح “يا إله الكون يا سندي” وأنشودة “طلع البدر علينا” و”الصلاة على المظلل بالغمامة”، اجتمع الدراويش الثلاثة في لوحة واحدة، وأدى كل منهم التحية للآخر قبل الشروع في الرقصة.
والختام كان مع أنشودة “مدد” التي تضمّنت إشارات إلى المذهب الشيعي، من بينها “يا علي يا قرة عيني يا إمام الروح يا سندي”.
وأوضح شمس الدين أن المنشد حامد داود “ضمّن بعض تواشيحه تلميحات إلى المذهب الشيعي” الذي ينتمي إليه معظم أهالي بعلبك ومنطقتها.
ولاحظ شمس الدين أن “المكان والجمهور يؤثران على الموسيقيين”. وأضاف مدير الفرقة التي سبق أن شاركت في المهرجان عامي 2000 و2003 ”بعلبك تعطينا شيئا روحانياً بفضل تاريخها الذي نشعر به في داخلنا حين نعزف أما تفاعل الجمهور فيجعلنا في قمة السعادة”.
وجذبت الحفلة جمهورا من أعمار مختلفة. وقالت اللبنانية إيمان الصباغ (25 عاماً) المقيمة في أستراليا إنها تحمست لحضور فرقة الكندي لفرادة ما تقدمه وأعجبها القسم الثاني من الحفلة. وأضافت “لحسن الحظ أنني اشتريت أسطوانة الفرقة عند المدخل. سأستمع إليها باستمرار”.
أما البريطانية إميلي وورتون المتزوجة من لبناني فعلّقت في تصريح لوكالة فرانس برس على الحفلة بقولها “أذهلني النمط الموسيقي الشرقي غير المألوف بالنسبة لي. شعرت بعمق مضمون الأناشيد مع أنني لم أفهم كلماتها”.
وقال المدير الفني للفرقة إن الهدف من انشاء الفرقة التي أطلق عليها اسم الكندي تيمناً بعالم الرياضيات والموسيقى أبو يوسف الكندي، يتمثل في “نشر الثقافة والحضارة العربية في العالم الغربي”.
وقال جيلبير خوري (40 عاماً) الذي حضر مساء السبت افتتاح المهرجان بعرض الباليه للراقص النجم في مسرح “لا سكالا دي ميلانو” روبرتو بولّيه، وأتى مرة ثانية من بيروت لمشاهدة فرقة الكندي “رقصة الدراويش الليلة بعد الباليه أمس، أجمل تعبير عن التنوع الثقافي في لبنان. هذا ما أعشقه في هذا البلد رغم كل صعوبات العيش فيه”.
برنامج متنوع
ويتواصل المهرجان الجمعة مع حفلة ثالثة أُنتجت خصيصا لمهرجانات بعلبك، وعنوانها “رووتس إن أور هاندز فروم سباين تو بيروت” للموسيقي الإسباني ناتشو أريماني.
ويضم العمل راقصة فلامنكو والمغنية فابيان ضاهر وجوقة جامعة القديس يوسف، إضافة إلى موسيقيين من لبنان وإسبانيا.
كما أن جمهور بعلبك على موعد في 14 تموز/يوليو مع المغني اللبناني ملحم زين وفرقته الموسيقية، وستصدح في سماء القلعة أبرز أغنياته القديمة والجديدة.
ويُختتم المهرجان في 16 تموز/يوليو بحفلة عنوانها “فودو تشيللو”، حيث ستقف على أدراج معبد باخوس المغنية الفرنسية الإفريقية إيماني، يرافقها ثمانية عازفي تشيللو، وهو عرض حقق نجاحا في أوروبا.